جمعة, 05/16/2014 - 13:12
"دوما مونامور" جمالية سورية لا تطاق في مهرجان كان
أدرجت إدارة مهرجان كان 2014 الفيلم السوري "ماء الفضة" ضمن مختاراتها الرسمية ليعرض في "الحصص الخاصة". إخراج الفيلم قصة شراكة بين أسامة محمد ووئام سيماف بدرخان ... وألف سوري وسوري. اسم سيماف يعني بالكردي "ماء الفضة"، أفليس الفيلم صورة ذاتية عن سوريا كما يشير العنوان الفرنسي الثانوي Syrie, autoportrait ؟
نخرج من العرض بالكاد تحملنا أرجلنا من شدة الصدمة وتبدو مدينة كان فجأة وكأنها ذرت بالرماد... وكأن الشاعر الفرنسي رونيه شار يكتب للتو "الرؤية الواضحة هي الجرح الأقرب من الشمس". من أهم مواد الفيلم أشرطة يوتيوب وفيس بوك التي يحملها السوريون منذ سنوات وتشدنا تلك الصور بأبشع وجوهها. غصة في الحلق : شاركنا في الجريمة بنسياننا لها، أو تناسينا. فيعيدها أسامة محمد من أنفاق الذاكرة ويضعها قسرا أمام أعيننا لتقشعر لها الأبدان. شاب يركع أمام صورة "ربه" بشار الأسد تحت الضرب. فتى عار منزو على جسده، يتلاشى ما تبقى لنا من إنسانية حين ينحني ليقبل حذاء جلاده. ويسدي لنا المخرج-الراوي ضربة الرحمة : إلى من كان هذا الشاب يحلم بإهداء القبلة ؟ هل كان يود أن تكون لحبيبته ؟
يسجل المخرج "بداية السينما"، حين حمل المتظاهرون هواتفهم المحمولة والكاميرات الصغيرة ليصوروا الاحتجاجات الأولى. فتنتقل بنا العدسات من زنزانات الجحيم إلى مظاهرات درعا السلمية في 2011 إلى الحصار اليومي في حمص، وتمتلئ الصور أشلاء ودماء. نشوة التعذيب، مازوشية الانتهاكات الجنسية، بطولة الإهانة : مسلحون يصورون اعتداءاتهم "اضربوا، صور، صور، عل الرأس" ...عين القاتل. أب يعانق جثة رضيعه، طفل يبكي والده القتيل، لذة النداء إلى الحرية، صراخ في وجه الرصاص "حده بيقتل شعبو؟"... عين الضحية. من نحن؟
وفي فاصل "دوما مونامور" –دوما حبيبتي- يركض رجال حاملين شابا مصابا بجروح بليغة، نفهم أنه مات. التقاه بالأمس أسامة في نادي السينما وتجاذبا الحديث عن فيلم "هيروشيما حبيبتي" للفرنسي آلان رينيه والمقتبس من كتاب مارغريت دوراس. ماذا لو صور رينيه الفيلم في هيروشيما أثناء القصف الذري ؟ لم نر شيئا في دوما. السينما سلاح ؟ دمار شامل ؟
يقول أسامة محمد في الفيلم "أنا ذاهب إلى كان.. والفيلم أنا". علق أسامة في فرنسا بسبب تهديدات بالقتل إثر مطالبته بحرية المعتقلين في سوريا خلال ندوة بمهرجان كان 2011. سجين في منفاه يصور باريس قاتمة وكأنه يختبئ في شوارع سوريا : عبر زوايا ضيقة وقضبان مشبكة، تنهشه الشكوك والذنوب. بين "قطار درعا" ومترو باريس يتابع المخرج خيط الماء، صوت سيماف الفضي الذي يحافظ على ارتباطه بالوطن عبر حوار يومي بواسطة الانترنت. فتصنع سيماف الصور في حمص وسط الأنقاض وتحت القصف. وبين الركام والركام ينبثق نور الكاميرا كبصيص أمل، ويعنى طفل بقبر والده. وبين الغبار والغبار تنشأ مدرسة "أقوى اختيار هو اختيار الحياة". تلميذان صغيران يلعبان، نفس التلميذين في الكفن. والنبات يأخذ المشعل عن عمريهما. ثم يتقلص الضوء ويعمى القطط وتتكدس جثث البشر في الشوارع. عويل حيوانات، وكلاب تأكل الكلاب. والوحدات الإسلامية تعتقل الثوار "وتأكل الثورة أبناءها".
يعرض المخرجان "أطول جنازة في التاريخ". فبعد مسيرة الشعب السوري، "مسيرة البقاء" التي دامت 42 عاما في مناشدة حافظ الأسد ثم بشار الأسد، بدأ في مسيرة معاكسة. "42 كيلومترا هي المسافة الفاصلة بين درعا والقرى الأخرى". دقة موجعة، في الأرقام والكلمات والشكل. "جمالية السينما" على محك رأس مهشم يسيل منه الدماغ. ويسمي الراوي تقنياته الميتافيلمية : "الصورة الثابتة"، "شان كنتر شان" champ contre champ تذكرنا بالصور الأولى في فيلم "موسيقانا" للفرنسي جان لوك غودار –الذي يشارك هذه السنة أيضا في مهرجان كان- ، وبتفكيره حول الحرب وكيفية طرحها. موسيقى القاتل، موسيقى القتيل، أناشيد الجيش الحر، أناشيد الجيش النظامي، نفس النسيج، نفس الكتابة. لحن ضائع. تعرية، نبش في قبور المجموعة والذات، فلا يسائل المخرجان فقط لغة السينما الجديدة التي تولد من ومع سوريا بل يسائلان شرعية طرح إشكاليات جمالية زمن الحرب. تقول سيماف أن القراءة تحت القصف تجربة فريدة، "ذاكرة الجسد". وفي صمتها نسمع "ذاكرة للنسيان". وبإلحاح يطرق أذهاننا سؤال هولدرلين الذي حير الغرب : "لماذا الشعراء في زمن الفجيعة؟". سينما المأساة فضيحة ؟ السكوت عنها فضيحة أكبر...
نخرج من العرض بالكاد تحملنا أرجلنا من شدة الصدمة وتبدو مدينة كان فجأة وكأنها ذرت بالرماد... وكأن الشاعر الفرنسي رونيه شار يكتب للتو "الرؤية الواضحة هي الجرح الأقرب من الشمس". من أهم مواد الفيلم أشرطة يوتيوب وفيس بوك التي يحملها السوريون منذ سنوات وتشدنا تلك الصور بأبشع وجوهها. غصة في الحلق : شاركنا في الجريمة بنسياننا لها، أو تناسينا. فيعيدها أسامة محمد من أنفاق الذاكرة ويضعها قسرا أمام أعيننا لتقشعر لها الأبدان. شاب يركع أمام صورة "ربه" بشار الأسد تحت الضرب. فتى عار منزو على جسده، يتلاشى ما تبقى لنا من إنسانية حين ينحني ليقبل حذاء جلاده. ويسدي لنا المخرج-الراوي ضربة الرحمة : إلى من كان هذا الشاب يحلم بإهداء القبلة ؟ هل كان يود أن تكون لحبيبته ؟
يسجل المخرج "بداية السينما"، حين حمل المتظاهرون هواتفهم المحمولة والكاميرات الصغيرة ليصوروا الاحتجاجات الأولى. فتنتقل بنا العدسات من زنزانات الجحيم إلى مظاهرات درعا السلمية في 2011 إلى الحصار اليومي في حمص، وتمتلئ الصور أشلاء ودماء. نشوة التعذيب، مازوشية الانتهاكات الجنسية، بطولة الإهانة : مسلحون يصورون اعتداءاتهم "اضربوا، صور، صور، عل الرأس" ...عين القاتل. أب يعانق جثة رضيعه، طفل يبكي والده القتيل، لذة النداء إلى الحرية، صراخ في وجه الرصاص "حده بيقتل شعبو؟"... عين الضحية. من نحن؟
وفي فاصل "دوما مونامور" –دوما حبيبتي- يركض رجال حاملين شابا مصابا بجروح بليغة، نفهم أنه مات. التقاه بالأمس أسامة في نادي السينما وتجاذبا الحديث عن فيلم "هيروشيما حبيبتي" للفرنسي آلان رينيه والمقتبس من كتاب مارغريت دوراس. ماذا لو صور رينيه الفيلم في هيروشيما أثناء القصف الذري ؟ لم نر شيئا في دوما. السينما سلاح ؟ دمار شامل ؟
يقول أسامة محمد في الفيلم "أنا ذاهب إلى كان.. والفيلم أنا". علق أسامة في فرنسا بسبب تهديدات بالقتل إثر مطالبته بحرية المعتقلين في سوريا خلال ندوة بمهرجان كان 2011. سجين في منفاه يصور باريس قاتمة وكأنه يختبئ في شوارع سوريا : عبر زوايا ضيقة وقضبان مشبكة، تنهشه الشكوك والذنوب. بين "قطار درعا" ومترو باريس يتابع المخرج خيط الماء، صوت سيماف الفضي الذي يحافظ على ارتباطه بالوطن عبر حوار يومي بواسطة الانترنت. فتصنع سيماف الصور في حمص وسط الأنقاض وتحت القصف. وبين الركام والركام ينبثق نور الكاميرا كبصيص أمل، ويعنى طفل بقبر والده. وبين الغبار والغبار تنشأ مدرسة "أقوى اختيار هو اختيار الحياة". تلميذان صغيران يلعبان، نفس التلميذين في الكفن. والنبات يأخذ المشعل عن عمريهما. ثم يتقلص الضوء ويعمى القطط وتتكدس جثث البشر في الشوارع. عويل حيوانات، وكلاب تأكل الكلاب. والوحدات الإسلامية تعتقل الثوار "وتأكل الثورة أبناءها".
يعرض المخرجان "أطول جنازة في التاريخ". فبعد مسيرة الشعب السوري، "مسيرة البقاء" التي دامت 42 عاما في مناشدة حافظ الأسد ثم بشار الأسد، بدأ في مسيرة معاكسة. "42 كيلومترا هي المسافة الفاصلة بين درعا والقرى الأخرى". دقة موجعة، في الأرقام والكلمات والشكل. "جمالية السينما" على محك رأس مهشم يسيل منه الدماغ. ويسمي الراوي تقنياته الميتافيلمية : "الصورة الثابتة"، "شان كنتر شان" champ contre champ تذكرنا بالصور الأولى في فيلم "موسيقانا" للفرنسي جان لوك غودار –الذي يشارك هذه السنة أيضا في مهرجان كان- ، وبتفكيره حول الحرب وكيفية طرحها. موسيقى القاتل، موسيقى القتيل، أناشيد الجيش الحر، أناشيد الجيش النظامي، نفس النسيج، نفس الكتابة. لحن ضائع. تعرية، نبش في قبور المجموعة والذات، فلا يسائل المخرجان فقط لغة السينما الجديدة التي تولد من ومع سوريا بل يسائلان شرعية طرح إشكاليات جمالية زمن الحرب. تقول سيماف أن القراءة تحت القصف تجربة فريدة، "ذاكرة الجسد". وفي صمتها نسمع "ذاكرة للنسيان". وبإلحاح يطرق أذهاننا سؤال هولدرلين الذي حير الغرب : "لماذا الشعراء في زمن الفجيعة؟". سينما المأساة فضيحة ؟ السكوت عنها فضيحة أكبر...
Tags for all blogs :
Comments or opinions expressed on this blog are those of the individual contributors only, and do not necessarily represent the views of FRANCE 24. The content on this blog is provided on an "as-is" basis. FRANCE 24 is not liable for any damages whatsoever arising out of the content or use of this blog.
0 Comments
Post new comment