أربعاء, 01/07/2015 - 16:25
نجمة البورنو اللبنانية أو زمن السيليكون المقدس
صار اسم ميا خليفة على كل الألسنة في لبنان وفي العالم (العربي؟). تصدرت الشابة ، 22 عاما ،موقعا إباحيا أمريكيا (بورن هاب)، بأفلامها الأكثر مشاهدة.
لا يبدو شكل ثدييها (وإن كانا من السيليكون وتأكل بهما) ولا حجم فرجها أهم ما خلق البلبلة وقسم اللبنانيين كما غرد العديد إلى "قسم فخور بميا خليفة، وقسم فخور بالبغدادي خليفة".
لا يخلو العالم ولا حتى العربي، من "الفضائح الجنسية" (الجنس فضيحة؟)، فما هي فرادة "الفضيحة" التي فجرتها الفتاة "اللبنانية المولد والتنشئة" والتي تقيم في "البلد الحر" أمريكا. ما هز مجتمعاتنا واستدعى تدخلات "مثقفينا" هو وشم بالعربية على ذراع ميا، كلمات من النشيد الوطني اللبناني "كلنا للوطن للعلى للعلم".
النشيد الوطني حكر على سواعد الجنود ؟ ولا يكفي هذا الرمز الأكبر للانتماء إلى لبنان، بل ويقال إنها تحمل وشما آخر على مؤخرتها... يمثل شجرة الأرز.
لم يصدم معسكر النظام "الأخلاقي" الساعي إلى السيطرة على نمط اجتماعي موحد (بأشكاله الدينية أو الملحدة)، من ممارسة ميا للجنس. صدم من مقطع الفخر العربي على جلدها (جلد الذراع أهون من جلد المؤخرة؟). صدم من ممارستها للجنس وهي تلبس حجابا (هل تعري المحجبة رأسها عند الجماع؟). إذ يبدو أن الشريط الأخير، بالحجاب، هو الذي فجر نسبة المشاهدة وتوج ميا نجمة للبورنو.
فهل العري عري الشعر أو المؤخرة ؟ وهل "الفجور" في ممارسة الجنس أو ممارسته وأنت تحمل وشما عربيا ؟ ولنخفف من وقع ما جاء في سؤال الصحافي الفرنسي تيري أرديسون الذي أشعل الإعلام الفرنسي "هل الرضاعة خيانة؟".
الصورة نشرت على حساب ميا خليفة على تويتر @miakhalifa
مرة أخرى تظهر إلى السطح العلاقة الشائكة بين البورنوغرافيا وزاوية الرؤية، ففي الحقيقة قوة السينوغرافيا البورنوغرافية تكمن في أننا لا ننظر إلى جسد ميا تحديدا، بل إلى كيف ينظر إليه. هنا أو هناك. هنا نقصد في باريس، فرنسا البلد الحر والثري. حيث تسحب الصور من المعارض بسبب "الإفراط في العري".
قوة البورنوغرافيا هي التحامها بالموت، فهي تظهر ما لا يرى وتقاسم ما لا يتقاسم، وهي كالموت تلاصق أهش ما فينا وأفقره. فبقطع النظر عن الجدالات الاجتماعية، تبدو البورنوغرافيا من محاور التفكير الأقرب من فلسفة التجاوز: تجاوز الحدود أو الشعور بتجاوز الحدود، وإن كانت "اخلاقية". فمنذ الماركيز دو ساد وجورج باتاي، حيث تكون النشوة أكبر كلما زادت الوضعيات الجنسية تجسيدا "للأسوأ" الأخلاقي. فمع العرض والمبالغة في تعذيب الشريك الجنسي يزداد "السوء" أو "الشر" وتزداد النشوة : إهانة وذل وبتر وشذوذ ... تشهد عليها مثلا أفلام بازوليني.
ووقع هؤلاء الكتاب والمبدعين رغما عنهم ضحية الخلط بين الخط البورنوغرافي الاستفزازي والفانتازمي وبين المس بالقيم التي تبدو مرتبطة بذلك وهي احترام الذات البشرية. ولنبسط الفكرة لنقل إن سوفوكل وأوربيد لم يكونا من المحرضين على فقئ الأعين ولا على نكاح المحارم.
لنقل فقط إن عموما الحرية الجنسية ترهب الإنسان، لذلك لم تحصل ولن تحصل ثورة جنسية، ولا توجد حقا حرية جنسية.
تستدرجنا المقاربة حتى نحو إحدى أكثر كتب مارغريت دوراس غموضا "مرض الموت" والتي تبدو من أقصى الاقتراحات بورنوغرافية تحيل فيها عاهرة عشيقها على موته المحتم بجهله "الحب". باطنه مسألة الاتجار بالبشر في مجتماعات البيع والشراء : عجز من يدفع المال.
وإن كانت لا تعتبر ميا فنانة، أو لا تدرك ذلك، لكنها كالعديد من أمثالها ببساطة خطها وعفوية تفكيرها تثير إشكاليات لا تكبرها أهمية أيه إشكاليات أخرى في عصرنا. فدون أن تعرف تشير إلى واقع أعمق من تخمينات المثقفين العرب والغربيين والذي وجب أن يوسعوا حلقة التأمل وخصوصا أن لا يقصوا منها الجسد، فالنمط الفكري المعاصر لم يمنع منذ الحرب العالمية الثانية أبشع الجرائم. والأبشع أن النمط لم يتغير.
فحين تكتب ميا على حسابها في "تويتر" "أليس لدى الشرق الأوسط أمور أهم مني ليقلق عليها؟ كأن تجدوا رئيسا؟ أو أن يجري احتواء داعش؟"
"داعش" الكلمة السر التي تحولت بحكمها ميا تحت أقلام رواد الانترنت "يا محلاها قدّام داعش"، فما هي المسافة بين داعش وميا ؟
نشرت ميا صورة "هزلية" مفبركة ورافقتها بالتعليق التالي "هنيئا أيها الشرق الأوسط". هذا ما ستؤدي إليه التهديدات. قريبا بإذن الله".
تظهر الصورة أحد العناصر الإرهابية المفترضة، ملثم الوجه، يرتدي الأسود، ويمسك بميا على غرار الرهينة المهددة أو على وشك التصفية، وفي الخلف جزء صغير من علم أسود. ديكور الإعدامات "الداعشية". ديكور السينوغرافيات البورنوغرافية، في وضعيات "الاستعباد" والهيمنة الجنسية إلخ.
تمزح مينا المراهقة المتدشقة بالحرية (ولما لا بالديمقراطية)، فتلهو دون وعي بالصورة التي تردي فيها ثوبا برتقاليا فاقعا بنار تاريخ ثقيل وتفجر فينا صور ضحايا المتطرفين، وصور معتقلي غوانتانامو، وتقف بنا الرؤية عند كابوس الجندية الأمريكية التي تربط سجينا عراقيا في أبو غريب (يومها لم تكن مزحة. اجتيزت الحدود بين الفانتازما والواقع). فمن يدفع ثمن عجزه ؟ البترول ؟ الماء الصالح للشراب ؟
لا شرق ولا غرب ولا حرية ولا أثداء حقيقية. إنه عصر السيليكون المقدس.
لا يبدو شكل ثدييها (وإن كانا من السيليكون وتأكل بهما) ولا حجم فرجها أهم ما خلق البلبلة وقسم اللبنانيين كما غرد العديد إلى "قسم فخور بميا خليفة، وقسم فخور بالبغدادي خليفة".
لا يخلو العالم ولا حتى العربي، من "الفضائح الجنسية" (الجنس فضيحة؟)، فما هي فرادة "الفضيحة" التي فجرتها الفتاة "اللبنانية المولد والتنشئة" والتي تقيم في "البلد الحر" أمريكا. ما هز مجتمعاتنا واستدعى تدخلات "مثقفينا" هو وشم بالعربية على ذراع ميا، كلمات من النشيد الوطني اللبناني "كلنا للوطن للعلى للعلم".
النشيد الوطني حكر على سواعد الجنود ؟ ولا يكفي هذا الرمز الأكبر للانتماء إلى لبنان، بل ويقال إنها تحمل وشما آخر على مؤخرتها... يمثل شجرة الأرز.
لم يصدم معسكر النظام "الأخلاقي" الساعي إلى السيطرة على نمط اجتماعي موحد (بأشكاله الدينية أو الملحدة)، من ممارسة ميا للجنس. صدم من مقطع الفخر العربي على جلدها (جلد الذراع أهون من جلد المؤخرة؟). صدم من ممارستها للجنس وهي تلبس حجابا (هل تعري المحجبة رأسها عند الجماع؟). إذ يبدو أن الشريط الأخير، بالحجاب، هو الذي فجر نسبة المشاهدة وتوج ميا نجمة للبورنو.
فهل العري عري الشعر أو المؤخرة ؟ وهل "الفجور" في ممارسة الجنس أو ممارسته وأنت تحمل وشما عربيا ؟ ولنخفف من وقع ما جاء في سؤال الصحافي الفرنسي تيري أرديسون الذي أشعل الإعلام الفرنسي "هل الرضاعة خيانة؟".
الصورة نشرت على حساب ميا خليفة على تويتر @miakhalifa
مرة أخرى تظهر إلى السطح العلاقة الشائكة بين البورنوغرافيا وزاوية الرؤية، ففي الحقيقة قوة السينوغرافيا البورنوغرافية تكمن في أننا لا ننظر إلى جسد ميا تحديدا، بل إلى كيف ينظر إليه. هنا أو هناك. هنا نقصد في باريس، فرنسا البلد الحر والثري. حيث تسحب الصور من المعارض بسبب "الإفراط في العري".
قوة البورنوغرافيا هي التحامها بالموت، فهي تظهر ما لا يرى وتقاسم ما لا يتقاسم، وهي كالموت تلاصق أهش ما فينا وأفقره. فبقطع النظر عن الجدالات الاجتماعية، تبدو البورنوغرافيا من محاور التفكير الأقرب من فلسفة التجاوز: تجاوز الحدود أو الشعور بتجاوز الحدود، وإن كانت "اخلاقية". فمنذ الماركيز دو ساد وجورج باتاي، حيث تكون النشوة أكبر كلما زادت الوضعيات الجنسية تجسيدا "للأسوأ" الأخلاقي. فمع العرض والمبالغة في تعذيب الشريك الجنسي يزداد "السوء" أو "الشر" وتزداد النشوة : إهانة وذل وبتر وشذوذ ... تشهد عليها مثلا أفلام بازوليني.
ووقع هؤلاء الكتاب والمبدعين رغما عنهم ضحية الخلط بين الخط البورنوغرافي الاستفزازي والفانتازمي وبين المس بالقيم التي تبدو مرتبطة بذلك وهي احترام الذات البشرية. ولنبسط الفكرة لنقل إن سوفوكل وأوربيد لم يكونا من المحرضين على فقئ الأعين ولا على نكاح المحارم.
لنقل فقط إن عموما الحرية الجنسية ترهب الإنسان، لذلك لم تحصل ولن تحصل ثورة جنسية، ولا توجد حقا حرية جنسية.
تستدرجنا المقاربة حتى نحو إحدى أكثر كتب مارغريت دوراس غموضا "مرض الموت" والتي تبدو من أقصى الاقتراحات بورنوغرافية تحيل فيها عاهرة عشيقها على موته المحتم بجهله "الحب". باطنه مسألة الاتجار بالبشر في مجتماعات البيع والشراء : عجز من يدفع المال.
وإن كانت لا تعتبر ميا فنانة، أو لا تدرك ذلك، لكنها كالعديد من أمثالها ببساطة خطها وعفوية تفكيرها تثير إشكاليات لا تكبرها أهمية أيه إشكاليات أخرى في عصرنا. فدون أن تعرف تشير إلى واقع أعمق من تخمينات المثقفين العرب والغربيين والذي وجب أن يوسعوا حلقة التأمل وخصوصا أن لا يقصوا منها الجسد، فالنمط الفكري المعاصر لم يمنع منذ الحرب العالمية الثانية أبشع الجرائم. والأبشع أن النمط لم يتغير.
فحين تكتب ميا على حسابها في "تويتر" "أليس لدى الشرق الأوسط أمور أهم مني ليقلق عليها؟ كأن تجدوا رئيسا؟ أو أن يجري احتواء داعش؟"
"داعش" الكلمة السر التي تحولت بحكمها ميا تحت أقلام رواد الانترنت "يا محلاها قدّام داعش"، فما هي المسافة بين داعش وميا ؟
نشرت ميا صورة "هزلية" مفبركة ورافقتها بالتعليق التالي "هنيئا أيها الشرق الأوسط". هذا ما ستؤدي إليه التهديدات. قريبا بإذن الله".
تظهر الصورة أحد العناصر الإرهابية المفترضة، ملثم الوجه، يرتدي الأسود، ويمسك بميا على غرار الرهينة المهددة أو على وشك التصفية، وفي الخلف جزء صغير من علم أسود. ديكور الإعدامات "الداعشية". ديكور السينوغرافيات البورنوغرافية، في وضعيات "الاستعباد" والهيمنة الجنسية إلخ.
تمزح مينا المراهقة المتدشقة بالحرية (ولما لا بالديمقراطية)، فتلهو دون وعي بالصورة التي تردي فيها ثوبا برتقاليا فاقعا بنار تاريخ ثقيل وتفجر فينا صور ضحايا المتطرفين، وصور معتقلي غوانتانامو، وتقف بنا الرؤية عند كابوس الجندية الأمريكية التي تربط سجينا عراقيا في أبو غريب (يومها لم تكن مزحة. اجتيزت الحدود بين الفانتازما والواقع). فمن يدفع ثمن عجزه ؟ البترول ؟ الماء الصالح للشراب ؟
لا شرق ولا غرب ولا حرية ولا أثداء حقيقية. إنه عصر السيليكون المقدس.
Comments or opinions expressed on this blog are those of the individual contributors only, and do not necessarily represent the views of FRANCE 24. The content on this blog is provided on an "as-is" basis. FRANCE 24 is not liable for any damages whatsoever arising out of the content or use of this blog.
0 Comments
Post new comment